سورة الإسراء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48)} [الإسراء: 17/ 45- 48].
أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب الزهري قال: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إذا تلا القرآن على مشركي قريش، ودعاهم إلى الكتاب، قالوا يهزؤون به: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} [فصلت: 41/ 5]. فأنزل الله في ذلك من قولهم: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} الآيات.
وآية {وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ} قيل: نزلت حينما دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه، فدخل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقرأ ومرّ بالتوحيد، ثم قال: «يا معشر قريش قولوا: لا إله إلا الله، تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، فولّوا» فنزلت هذه الآية.
والمعنى: أن الله تعالى أخبر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه يحميه من مشركي مكة الذين كانوا يؤذونه، في وقت قراءته القرآن وصلاته في المسجد الحرام، ويريدون مدّ اليد إليه، فلا تخف أيها النبي، فإنك إذا قرأت القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالآخرة، جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورا، أي حائلا حاجزا، يمنع قلوبهم من فهم القرآن وتدبر آياته، ومستورا على أعين الخلق، فلا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب بقدرة الله وكفايته.
وجعلنا على قلوبهم أغطية، بحيث لا يتسرب إليها فهم مدارك القرآن ومعرفة أسراره وغاياته، وجعلنا في آذانهم ثقلا، أو صمما يمنع من سماع الصوت، وهذه كلها استعارات للإضلال الذي حفّهم الله به، فعبّر عن كثرة ذلك وعظمه بأنهم بمثابة من غطّي قلبه، وصمّت أذنه، والإضلال بسبب الضلال الذي سلكوه، وساروا في فلكه بغيا وعنادا.
وإذا وحدّت الله في تلاوتك آيات القرآن، وقلت: لا إله إلا الله، ولم تقل:
واللات والعزّى، ولّوا على أدبارهم نفورا، أي رجعوا على أدبارهم نافرين نفورا، تكبّرا من ذكر الله وحده، لإدمانهم على الشرك وعبادة الأوثان، فهذه الآية تصف حال الفارّين عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في وقت توحيده في قراءته القرآن. وهذا أولى المعاني وأوفق للفظ.
نحن يا محمد أعلم بالنحو الذي يستمعون به آيات القرآن، حين يستمعون إليه هزءا واستخفافا وإعراضا، ونحن أعلم بما يتناجى به كفار قريش ويتسارّون حين وصفوك بأنك رجل مسحور أو مجنون أو كاهن، أي كأنه قال: نعم نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به، أي هو ملازمهم، يفضح الله بهذه الآية سرهم.
وقوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً} الظاهر فيه أن يكون من السحر، فشبّهوا الخبال الذي عنده، بزعمهم وأقوالهم الوخيمة برأيهم، بما يكون من المسحور الذي قد خبّل السحر عقله، وأفسد كلامهم.
تأمل يا محمد، كيف مثلّوا لك الأمثال، وأعطوك الأشباه، وضربوا لك المثل وهو قولهم: مسحور، ساحر، مجنون، متكهّن لأنه لم يكن عندهم متيقّنا بأحد هذه، فإنما كانت منهم على جهة التشبيه، فحادوا عن سواء السبيل، ووقعوا في الضلال، وحكم الله تعالى عليهم به، فصاروا لا يستطيعون سبيلا إلى الهدى والنظر المؤدّي إلى الإيمان، ولا إلى إفساد أمرك وإطفاء نور الله، بضربهم الأمثال لك. وهنا وعيد لهم وتسرية وإيناس لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم.
حكى الطبري: أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه. فقد رأى الوليد أن أقرب الأمور على تخيل الطارئين عليهم: هو أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ساحر، كذبوا ورب الكعبة وضلوا ضلالا مبينا.
إنكار المشركين البعث:
كانت عقائد المشركين كفار مكة فاسدة ملوثة، منها نسبة الشريك والولد والصاحبة لله، عز وجل، تشبيها لله بمخلوقاته، ومنها إنكار البعث أو اليوم الآخر، تأثرا بالنزعة المادية، وتصورهم أن المادة إذا صارت فانية كالتراب، لا تحتمل العودة إلى الحياة، وبسبب نقص إدراكهم لقدرة الله الخارقة، وتمكنّه من إحياء الأشياء بمجرد الأمر الإلهي التكويني: {كُنْ}. وتحكي لنا هذه الآيات إنكارهم للبعث، واستغرابهم حدوثه لضعف عقولهم، قال الله تعالى:


{وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52)} [الإسراء: 17/ 49- 52].
تصوّر هذه الآيات شبهة المشركين الماديين الوثنيين في إنكار البعث أو القيامة، ويرد الله عليهم ردا مفحما فيه غاية التحدي، فهم يقولون على جهة التعجب والإنكار، والاستبعاد حين سماع القرآن تقرير أمر المعاد: أءذا كنا عظاما بالية في قبورنا، ورفاتا، أي أشياء مرّ عليها الزمن، حتى بلغت غاية البلى، وصارت أقرب شبها بالتراب أو الغبار، أءنا لمبعوثون عائدون يوم القيامة خلقا جديدا، بعد ما بلينا وصرنا عدما لا نذكر؟! وترددت آيات القرآن في هذا المعنى المحكي عن المشركين، مثل: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12)} [النازعات: 79/ 10- 12].
ومثل آية: {وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 36/ 78- 79].
أجابهم الحق سبحانه آمرا نبيه أن يقول لهم: إن إعادة الميت إلى الحياة أمر سهل يسير، وهو في تصور البشر وعقولهم أهون على الله من الخلق أول مرة بحسب عقولنا، أما بالنسبة لقدرة الله، فلا فرق في الحالين لأن الله القادر على الخلق بإيجاد الروح في الأشياء الجامدة، قادر على الإعادة والتكوين، فالعبرة إذن بالقدرة الإلهية.
ولو فرض أنكم أيها المشركون كأشد الأشياء صلابة من حجارة أو حديد، فإن الله قادر على إحيائه، ونفح الروح فيه، فيصير حيا متحركا، لأن الله قادر على إيجاد كل الممكنات، وإحياء الأشياء المادية، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهذا على سبيل المبالغة، وربط الأشياء بأقصى التصورات في الدلالة على قدرة الله على الإحياء والإعادة.
وبعبارة أخرى: قل لهم يا محمد: كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتّي في تصوركم، فلا بد من بعثكم. وفعل (كونوا) هنا هو الذي يسميه المتكلمون:
التعجيز، والأدق أن يقال: كونوا بالتوهّم، والتقدير كذا وكذا.
وبعد أن استبعد المشركون الإعادة من جديد، استبعدوا حدوثها ولم يؤمنوا بالقادر على الإحداث، قائلين: من يعيدنا إلى الحياة إذا كنا حجارة أو حديدا أو خلقا آخر شديدا، مما يكبر أو يعظم في صدوركم وعقولكم كالسماء والأرض، فالله قادر على بعثه وإحيائه من جديد، والباعث أو الخالق: هو الذي فطركم، أي أوجدكم وخلقكم أول مرة، فهو قادر على إعادتكم وإحيائكم للبعث والجزاء والحساب.
ثم إن المشركين بعد هذا يحركون رؤوسهم تعجبا واستهزاء وتكذيبا، ويقولون:
متى هذا البعث والإعادة، كما في آية أخرى: {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48)} [الملك: 67/ 25].
قل أيها النبي لهم: عسى أن يكون وقت البعث قريبا، فإنه سيأتيكم لا محالة، فكل ما هو آت قريب، كما قال الله سبحانه: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7)} [المعارج: 70/ 6- 7].
ويكون ذلك البعث الحتمي يوم يدعوكم الرب تبارك وتعالى من قبوركم بالنفخ في الصور لقيام الساعة، فتستجيبون له من القبور، حامدين طائعين، منقادين بالقيام والعودة والنهوض نحو الدعوة والداعي، إجابة لأمره سبحانه، وطاعة لإرادته، وتحسبون عند البعث أنكم ما لبثتم في الدنيا إلا زمنا قليلا، فقوله تعالى: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} معناه: بأمره، كما قال ابن عباس وابن جريج، وقال قتادة: بطاعته ومعرفته. وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث. والواقع أن المراد من الحمد هنا: هو إعلان الحمد على صدق الحادث وهو القيامة، أي تقومون من القبور، بخلاف ما تعتقدون الآن، وذلك بحمد الله تعالى على صدق خبره وإعلامه نبيه بوجود البعث.
الأسلوب الأفضل في الجدال:
المسلمون أصحاب حق، ودعوة سامية، ورسالة شاملة للبشرية جمعاء، وهذا يقتضيهم أن يسعوا الناس بأخلاقهم اللطيفة، وأقوالهم الحسنة، ومعاملاتهم الطيبة لأن من شأن الداعية الناجح أن يكون على جانب عظيم من الحلم والعلم واللين واللطف، ولأن للكلمة الطيبة جاذبية وسحرا يؤثران في القلوب، فإذا انضم إلى ذلك الفكر الصحيح، والعقل السديد، والرأي الحكيم، أدّى إلى إقناع المخاطب، وتحقّق الهدف من النصح وهو الانضمام لراية التوحيد والقرآن المجيد، قال الله تعالى مبينا أسلوب الخطاب مع المخالفين:


{وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55)} [الإسراء: 17/ 53- 55].
روي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت الآية: {وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وروي أن عمر بن الخطاب شتمه بعض الكفرة، فسبّه عمر وهم بقتله، فكاد أن يثير فتنة، فنزلت الآية: يأمر الله تعالى رسوله بأن يبلّغ عباد الله المؤمنين: أن يقولوا في مخاطبات المخالفين من المشركين وغيرهم أثناء حوارهم الكلام الأحسن. والتي هي أحسن: هي المحاورة الحسنة، والكلمة الطيبة: وهي التي لا تختلط بالشتم والسب والأذى، كما جاء في آيات أخرى، مثل: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 16/ 125]. ومثل: {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 29/ 46]. والآية هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة وأمثالهم.
فيكون المطلوب إلانة القول، وحسن الأدب، وخفض الجناح لأن الشيطان يؤجج نيران النزاع، ويثير الفتنة والشر، ويوقع الخصام، ويغري بالمقاتلة، فلا يتحقق المطلوب، وتخيب المساعي، وتقع العداوة، وهو المراد بنزغ الشيطان للإنسان، وسبب ذلك: أن الشيطان عدو ظاهر العداوة للإنسان، منذ القديم. ومعنى النزغ: حركة الشيطان بسرعة، ليوجب فسادا.
وعلة الأمر باتباع الطريق الأحسن والمحاورة الحسنة في منهاج الدعوة الذي رسمه الله: هو أن ربكم أيها الناس أعلم بمن يستحق منكم الهداية والتوفيق للإيمان ومن لا يستحق، فإن شاء رحمكم فأنقذكم من الضلالة، ووفقكم للطاعة والإنابة إليه، وإن شاء عذبكم، فلا يهديكم للإيمان، فتموتوا على الشرك. فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين ألا يخاشنوا الكفار في الدين، ثم قال للكفار: إنه أعلم بهم، ورجّاهم وخوّفهم. ومعنى: {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} إن يرد الله يرحمكم بالتوبة من الكفر. وهذه الآية تقوّي أن الآية التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة.
ثم قال الله لنبيه: فإنما عليك البلاغ، ولست بوكيل على إيمانهم، ولا بد، وإنك غير موكل بأمرهم، وليس لك السلطة في حسابهم على أعمالهم، وإنما عليك الإنذار والتبشير فقط، وترك النتائج لله تعالى، فتلطف في دعوتهم، ولا تغلظ عليهم، ودارهم.
وقال الله أيضا لنبيه: وربك أعلم بجميع من في السماوات والأرض، وهو الذي فضّل بعض الأنبياء على بعض، بحسب علمه فيهم، والتفضيل بحسب المزايا والكتب والخصائص، كاتخاذ إبراهيم عليه السلام خليلا، وموسى عليه السلام كليما، ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم خاتم النبيين، وآتى الله داود عليه السلام كتاب الزبور. وهذا بالمعنى المراد تعريض بقريش، أي لا تنكروا أمر محمد، وأنه أوتي قرآنا، فقد فضّل النبيون، وكان لكل نبي فضيلة، فموسى أعطي التكليم، وعيسى: الإحياء، وإبراهيم: الخلّة (خليل الله)، ومحمد القرآن وختم النبوات، وداود: أوتي الزبور، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته. ونظير الآية: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ} [البقرة: 2/ 253].
وآية: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} تنبيه على فضل الزبور وشرفه. وفي الآية إشارة إلى تفضيل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء والمرسلين بالقرآن الكريم، وبالإسراء والمعراج، ثم بعده إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم الصلاة والسلام.
ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء، وأن الخمسة أولي العزم منهم أفضلهم: وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. ومزية هؤلاء الرسل: أنهم أصحاب رسالات كبري ومزايا عظيمة. وقوله سبحانه: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لا يقتضي حصر علم الله بهذا، وإنما يعلم الله بذلك وبغيره، وتكون الباء في (بمن) متعلقة بفعل تقديره: علم بمن في السماوات، لأنه لو علّق ب (أعلم) لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك. ونظير هذا قولك: زيد أعلم بالنحو، لا يدل هذا على أنه ليس أعلم بغير النحو من العلوم.
عبدة البشر والأوثان والملائكة:
يتدنى العقل الإنساني أحيانا فيعظّم البشر ويقدسه، أو يعبد الوثن ويؤلهه، وكلا الفريقين ليسوا عقلاء، لأن أبسط مبادئ الفكر والعقل أن يكون الإله من غير جنس المخلوقات، ويتميز بصفات تفوق قدرات البشر، ومن أهم هذه الصفات: الخلق والإبداع، والقدرة النافذة على جلب الخير ودفع الضر والشر، وإذا كان المعبود خاليا من هذه الصفات ونحوها لم يستحق جعله إلها، ولا اتخاذه ربا يعبد، ولكن مع الأسف وجد في الدنيا من يعبد البشر أو يعبد الأوثان أو يعبد الملائكة، وهذا ما دوّنه القرآن في هذه الآيات الكريمة:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8